
إسرائيل لا تحتاج إلى ذريعة لشن الحروب \ كتب غسّان حلواني
في عالم تُحكَمُ فيه العلاقات الدولية بمنطق القوة والمصالح، تبرز إسرائيل كدولة تتعامل مع مفهوم “الحرب” بمنطقٍ يختلف عن السياقات التقليدية. فتاريخها العسكري، منذ تأسيسها عام 1948، يُظهر نمطاً من التوسع والهيمنة لا يرتبط بالضرورة بوجود “ذريعة واضحة” بل بسياسات أمنية توسعية تُمليها إيديولوجيا الاستيطان والرغبة في ترسيخ التفوق الجيوسياسي.
في حرب 1967، التي تُعرف بـ”النكسة”، شنّت إسرائيل هجوماً عسكرياً على مصر وسوريا والأردن، مدّعيةً أن تحركات الجيش المصري في سيناء تُشكل تهديداً وجودياً. لكن وثائق أمريكية وبريطانية لاحقة، مثل تلك التي أشار إليها المؤرخ الإسرائيلي “آفي شلايم” في كتابه “الجدار الحديدي”، أكدت أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر لم يكن يخطط لهجومٍ فعلي، بل كانت إسرائيل تستغل الظرف لتحقيق مكاسب إقليمية. هنا، تحوّلت “الذرائع الأمنية” إلى غطاء لاحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية ومرتفعات الجولان، والتي ما زالت تحت السيطرة الإسرائيلية حتى اليوم.
أما في 1982، فكان غزو لبنان تحت عنوان “القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية”، لكن تقرير “لجنة كاهان” الإسرائيلية الرسمية كشف لاحقاً أن وزير الدفاع آنذاك، أرييل شارون، زوّر تقديرات المخابرات لدفع الحكومة نحو الحرب، كما ذكر الكاتب الأمريكي “نعوم تشومسكي” في تحليله لـ“صناعة العدوان الإسرائيلي”.
تعتمد إسرائيل خطاباً أمنياً يُصورها كـ”قلعة محاصرة” في منطقة معادية، مما يبرر أي عمل عسكري كـ”دفاع عن النفس”. لكن واقع الحال يُظهر أن هذا الخطاب يُستخدم لتمرير سياسات عدوانية. ففي عام 2006، على سبيل المثال، شنت إسرائيل حرباً على لبنان بعد أسر جنديين اثنين من قبل حزب الله، لكن التدمير الممنهج للبنية التحتية اللبنانية، وفقاً لتقرير “هيومن رايتس ووتش”، تجاوز أي مبرر “دفاعي”، وتحوّل إلى عقاب جماعي.
وفي حرب 2014 على غزة، التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم “الجرف الصامد”، قُتل أكثر من 2,200 فلسطيني، غالبيتهم مدنيون، بحسب تقارير الأمم المتحدة. حينها، علّق الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في مقال له بجريدة “ذا غارديان”: “إسرائيل تُعاقب غزة ليس لأنها تهدد أمنها، بل لأنها ترفض الاستسلام لشروط الاحتلال”.
لا تخلو الساحة الدولية من أصواتٍ تنتقد الفجوة بين الذرائع الإسرائيلية وأهدافها الحقيقية. ففي عام 2018، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن “استخدام القوة المفرطة في غزة يُنتهك القانون الدولي”، مشيراً إلى أن حل النزاع لن يتحقق بالعمليات العسكرية.
أما الرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا، فقد قال في خطاب شهير عام 1997: “احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية هو جريمةٌ ضد الإنسانية، ولا يُمكن تبريره بأي ذريعة أمنية”.
من جهة أخرى، يرى الكاتب والسياسي الأمريكي نورمان فينكلشتاين، في كتابه “صناعة الهولوكوست”، أن إسرائيل تستخدم معاناة اليهود التاريخية كدرعٍ أخلاقي لتحصين نفسها من النقد، بينما تُمارس عنفاً مؤسسياً ضد الفلسطينيين.
إذا كانت الحروب تُشنّ عادةً لحماية حدود أو ردع عدوان، فإن الحالة الإسرائيلية تُظهر أن “الذرائع” قد تُختلق أو تُضخم لخدمة أهدافٍ أبعد: تهجير السكان، وضم الأراضي، وإعادة رسم الخرائط بالقوة. وفي حين تُدين دولٌ كثيرة هذا النهج، تبقى إسرائيل محصّنة بغطاء دبلوماسي دولي، خاصة من الولايات المتحدة، مما يُكرس ثقافة الإفلات من العقاب. السؤال الأهم الآن: كم من الدماء يجب أن تُراق قبل أن يعترف العالم بأن “الأمن” ليس مجرد كذبة تُخفي وراءها مشروعاً استعمارياً؟!