مقالات

موقف الفلسفة الفردية تجاه السياسة واللعبة الدولية والإقتصاد \ أسامة إسماعيل

الفلسفة العقلية الفردية تتخذ موقفا"سلبيا" تجاه السياسة التي تخضع لحكم العامة والشارع والغوغاء والعواطف الجماعية والشعبية والثيولوجيا وتفسح المجال أمام السياسيين والأحزاب لإخضاع تطبيق القوانين لمايناسب مصالحهم وغاياتهم وتؤدي إلى إثراء البعض من الحكم والسياسة والإدارة على حساب النخبوي الحر المستقل الكفء والجدير. وإن المعيار الصحيح للحكم في نظر الفلسفة هو أن يتولى الفيلسوف أو الحكيم الحكم والسياسة والإدارة، وهو هامش ضيڨ جدا"، إذ أن معظم الذين حكموا الدول والمجتمعات منذ العصر اليوناني حتى اليوم ليسوا فلاسفة و حكماء، لذلك لم تكن فضائل الحكم والسياسة ه‍‍ي السائدة على المشه‍‍د، وشهد العالم منذ ذلك العصر حتى اليوم سيئات الأنظمة السياسية المختلفة ونتائجها على الإدارة والمجتمع والإقتصاد وتسخيرها الدين والمذاهب والإيديولوجيات وحتى الأساطير لخدمتها.
   نتائج غياب المعيار  
     الصحيح للحكم
حيث تغيب الحكمة والعدالة والحرية والإستقلال تحضر المشكلات والأزمات وحالات عدم الاستقرار، وعندما يقوم الحكم والسياسة على الولاء والتقديس لأشخاص وأحزاب أو على امتلاك الثروات الشخصية الطائلة أو على الإيديولوجيا والمعتقدات والآراء المذهبية والثيولوجية والغيبيات والأساطير أو على الضغط والقهر والقمع والطغيان أو على العسكر والحرب والإحتلال فلن يهنأ العالم بسلام دائم وحقيقي وحريات حقيقية وعدالة إقتصادية واجتماعية، ولن يتمتع الفرد بمميزاته وخصوصياته وشخصيته المستقلة ولن تغيب الفوضى عن الواقع اليومي. ثم جاءت سياسة التوسع التي تسمى، علميا"، الإمبريالية (Emperialism) والكولونيالية الإستعمارية (Colonialisme) لتؤدي إلى زيادة انحسار سياسة الحكمة والعدالة واقصائها، وخاصة أنها تغذت بنظريات وآراء حول الحكم والسياسة، أخذ بعضها شبهة الفلسفة وهي ليست بفلسفة مثل نظريات توماس هوبز(Thomas Hobbes) ونيكولو دي مكيافيللي (Nicolo di Machiavelli), التي تقوم على ارادة القوة والطغيان والمكر والخديعة و الغاية تبرر الوسيلةLa fin justifie moyens les، وانبنت "الحركة الصهيونية" أيضا"، على أساس ه‍‍ذه الإيديولوجيا التي تتناقض مع فلسفة الحكمة والعدالة والحرية والإستقلال. وإن اللعبة الدولية التي دعمت وشجعت قيام الكيان الصهيوني سنة ١٩٤٨سببت وجود مايسمى" محور المقاومة والممانعة "اليوم، كردة فعل ضد هذا الكيان والداعمين له، وليست إيديولوجيا هذا المحور وسياسته متوافقين أيضا"، مع الفلسفة العقلية الفردية وسياسة النخبة والحكمة والعدالة والحرية والإستقلال الفرديين ولم تحققا الكثير للقضية الفلسطينية والبلدان والمجتمعات التي يملك فيها هذا المحور نفوذا" أو سلطة.
   لعبة الأمم وشعاراتها 
          الوهمية 

لعبة الأمم رفعت شعارات وهمية :” حرية، إخاء، مساواة “. فالأحداث والوقائع منذ أكثر من قرن حتى اليوم تتناقض مع هذه الشعارات، وانسحبت الفلسفة العقلية الفردية فعبثت اللعبة الدولية بالدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والإعلام والفن بل إنها سخرت الفلسفة ذاتها لخدمتها، فأصبحت المفاهيم والقيم الحقيقية مثل العملة التي تحمل قيمة حقيقية في ذاتها ولكن عوامل خارجية مثل التضخم النقدي وارتفاع سعر العملة الأجنبية الصعبة كالدولار الأميركي تخفض قيمتها الحقيقية وتبدلها بقيمة مزيفة لاتشتري الا القليل من السلع المادية وقد لا تصرف في السوق. فمثلا”:” الحق “قيمة ولكن التزييف والتزوير والعوامل الخارجية تؤدي إلى تغليب” حق القوة”على” قوة الحق “. وإن العدالة قيمة ولكن العدالة المزيفة تسمح للمستعمر والمحتل والمهيمن والنافذ القيام بأي عمل وإن كان دنيئا” وظالما”وعدوانيا” لأجل غاياته ومصلحته، وتتيح للتابع والمدعوم والمتملق والإنتهازي والسخيف التمتع بالحقوق والامتيازات وتحرم النخبوي الحر المستقل الجدير من حقوقه. وإن الحرية قيمة ولكن التزييف والفهم والسلوك الخاطئين تحولها إلى فوضى أواستبداد.
لامكانة للفلسفة العقلية الفردية في هذه الأيام، وأي مكانة لها حيث تسيطر السياسة الآنية والأحداث المرتبطة بها والحروب والطائفية والمذهبية والتحزب وحالة القطيع الجماعي والشعبي واقتصاد الرأسمال العابر للقارات، الذي يجعل الأفراد أرقاما”في لعبة تجميع الثروات ومراكمتها بين أيدي ٥ ٪ من البشر فيما آلات الحرب الممولة من جزء من هذه الثروات تفتك ببعض البشر وتدفعهم إلى المجاعة كما يحدث في غزة في هذه الأيام، كما أن التوزيع غير العادل للثروة يدفع الكثير من البشر إلى الفقر والبطالة، وإن استخدام الثروات لأجل فرض الرأي ووقائع معينة وممارسة الضغوط يؤدي إلى أزمات إقتصادية ونقدية ومالية خانقة في بعض البلدان التي تستهدفها اللعبة الدولية، وخاصة المنطقة المجاورة لفلسطين المحتلة، حيث تثار قضية مايسمى “سلاح حزب الله” لتبرير تضييق الخناق الإقتصادي والمالي على لبنان كأن هذا الحزب هو حاكم لبنان وكأن اللبنانيين جميعهم تابعون له. وإذا كانوا صادقين في أن هذين التضييق والضغط يهدفان إلى النهوض بالدولة اللبنانية واصلاحها فليحيدوا موضوع “السلاح” عن الاقتصاد والنقد والمال العام والإنماء والاعمار، ولكن اللعبة الدولية تتجاهل العقل والمنطق والقيم الحقيقية للحق والحرية والإستقلال والعدالة والمساواة والمعايير الصحيحة للحكم والسياسة.
أسامة إسماعيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى