مقالات

كيف فكّر يحيى السنوار قبل السابع من أكتوبر؟بين الرمزية الأخلاقية وإعادة تعريف الحرية الفلسطينيةبقلم: ليلاس طرابيه

من يتأمل ملامح يحيى السنوار لا يرى قائداً تقليدياً لحركة مقاومة، بل يرى رجلاً جعل من الموت لغته للتعبير عن الحياة والكرامة.
حين قرّر إطلاق عملية «طوفان الأقصى»، لم يكن يسعى إلى فتح حرب جديدة، بل إلى إنهاء حربٍ لم تتوقف يوماً؛ حرب بدأت منذ ولادته، واستمرت في كل تفصيل من تفاصيل الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال.
قرار السنوار لم يولد من اندفاع، بل من وعيٍ تراكم في الزنازين، ومن تجربةٍ طويلة مع القهر والعزلة.
هو ابن السنوات التي رأى فيها كيف تُهدم البيوت الفلسطينية، وكيف تُحوَّل كل انتفاضة إلى اتفاق، وكل مقاوم إلى ورقة تفاوض.
لذلك، لم يرَ في “الهدوء تحت الحصار” سلاماً، بل موتاً مؤجلاً.
فاختار أن يكسر الدائرة بفعله، مؤمناً أن السكوت على الظلم شكل من أشكال الفناء.
لم يتخذ السنوار قراره من موقع السلطة السياسية، بل من موقع الذاكرة الجمعية الفلسطينية.
في وعيه، لم يبقَ للفلسطيني ما يخسره الأرض، السيادة، الهواء والماء جميعها سُلبت.
ومن هنا، لم يكن السابع من أكتوبر مقامرة، بل عبوراً من العدم إلى المعنى، من الموت البطيء إلى الكرامة الممهورة بالدم.
كان السنوار يدرك أن المواجهة ستجلب دماراً شاملاً لغزة، لكنه رأى في هذا الدمار كشفاً للحقيقة الكبرى.
لقد تحوّلت عمليته إلى تطهيرٍ جماعي، لا ضد الاحتلال فحسب، بل ضد الخضوع المفروض منذ عقود.
في لحظةٍ واحدة، كسر السنوار المعادلة النفسية التي كانت تحكم الاحتلال.
جرّده من قناع “السيد العاقل”، وأجبره على الانفجار بهستيريا القوة أمام عدسات العالم، ليسقط بنفسه قناعه الأخلاقي.
قبل السابع من أكتوبر، كان التفكير الفلسطيني محكوماً بحسابات الممكن.
كم صاروخ لدينا؟ كم أسيراً يمكن تحريره؟ ما مساحة غزة؟
لكن السنوار نقل السؤال من كم نملك؟ إلى لماذا نحيا؟
هو لم يسأل “هل سننتصر؟” بل تساءل “هل يمكن أن نعيش ونحن على هذه الصورة؟”
من هنا، لم يكن القرار عسكرياً بقدر ما كان معرفياً.
لقد حوّل «طوفان الأقصى» من معركة حدودية إلى لحظة إعادة كتابةٍ للوعي الفلسطيني، بعد عقودٍ من الترويض العربي والدولي.
غزة اليوم، رغم الخراب، ربحت ما لم يكن متاحاً من قبل، ( الحق في السردية)
إسرائيل التي احتكرت سردية “الضحية” لعقود، أصبحت في موقع الاتهام بارتكاب جرائم الإبادة.
التحول لم يكن عسكرياً، بل أخلاقياً ورمزياً، إذ فقدت القوة الإسرائيلية شرعيتها الأخلاقية،
كما فقد نظام الفصل العنصري شرعيته في جنوب أفريقيا على يد مانديلا،وكما خسر الأميركيون أسطورة جنديهم الذي لا يُهزم في فيتنام.
لم يكن السنوار يسعى إلى موتٍ مجاني، بل إلى حياةٍ ذات ثمن.
كان يعلم أن النصر قد لا يأتي غداً، لكنه واثق أن الفعل سيبقى، وأن الوعي سينتقل من جيلٍ إلى جيل، حتى يتحوّل إلى طاقةٍ لا تُقهر.
فمن يعيش بلا كرامة يموت مرتين،أما من يختار الموت من أجل الكرامة، فإنه يُولَد في ذاكرة التاريخ إلى الأبد ….
تماماً كما سيبقى يحيى السنوار في ذاكرة التاريخ إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى