مقالات

‏”أفغنة الحرب في الجولان: ‎إسرائيل على حافة الجبل المحترق” \عبد الله الغانم

بينما تتقاطع خطوط الغضب الإسلامي مع خطوط التجاوزات الإسرائيلية، يلوح في الأفق خطر استراتيجي بالغ على الوجود الإسرائيلي ولا يبدو أن صناع القرار في تل أبيب يولونه الفهم او العناية الكافية.

وإذا لم تُبادر إسرائيل بالانسحاب الفوري والكامل إلى ما قبل خطوط فض الاشتباك الموقّعة عام 1974، وإذا لم تُنهِ دعمها المباشر وغير المباشر للقيادات الانفصالية في جبل العرب – وفي مقدمتهم حكمت الهجري – مع تفكيك ما بات يُعرف بالميليشيا (الصهيو/درزية) في السويداء وتسليم مفاصل المحافظة كاملة للدولة السورية، فإنها تُجازف بإشعال واحدة من أخطر (بؤر الاشتعال الجيوعسكري الجهادي الجبلي) على حدودها.

(الجنوب السوري: الجغرافيا الحارقة)
تخطئ إسرائيل إذا ظنّت أن تكرار سيناريوهات القصف الجوي في الجنوب السوري سيمنحها أمانًا استراتيجياً طويل الأمد.

فالجغرافيا السورية – وتحديداً الجبلية منها في الجنوب الغربي – تختلف جوهرياً عن طبوغرافيا قطاع غزة المنبسطة، وتُمثّل من حيث البنية التضاريسية والموقع الجغرافي ساحة مثالية للكمائن والاستنزاف والانطلاق الهجومي.

فإذا كان قطاع غزة بؤرة مقاومة مؤلمة رغم مساحته الصغيرة، فكيف بسوريا التي تتجاوز مساحتها حجم غزة بـ400 ضعف، وتملك حدوداً مفتوحة مع العراق وتركيا ولبنان وغيرهم، وتُطل من خاصرتها الجنوبية الغربية على قلب الكيان الصهيوني نفسه؟

(كتلة بشرية تحت الضغط)
كما لا ينبغي تجاهل (خزان الغضب المتراكم) لدى الأمة الإسلامية، فعدد المسلمين اليوم يربو على (ملياري إنسان)، وقد راكمت (آلة البطش الإسرائيلية في غزة وفي سائر الأرض المحتلة) حجمًا هائلًا من السخط والحنق والتوثّب.

وأي شرارة جديدة على الأرض السورية تؤسّس لميدان اشتباك مباشر مع إسرائيل ومفتوح للأمة، فمن المؤكد أن الجبال والسهول والوديان السورية ستتحول إلى مسرح مفتوح لتوافد المقاتلين المتطوعين (المجاهدين)، ممن يحملون في دواخلهم شحنة متفجرة من الثأر والإيمان والعدالة المؤجلة.

وسوريا – بعد سنوات الحرب والتمرس الميداني – لا تفتقر إلى القوى المحلية القادرة على إعادة التموضع، إذ تحتوي في داخلها (ما يقارب مليون مقاتل) مدرّب بين الجيش النظامي، والميليشيات، والعشائر المسلحة، ناهيك عن آلاف المحرّضين القادرين على التعبئة الجماهيرية السريعة في العالم الإسلامي .

(التوازن الديمغرافي: وهم السيطرة)
الرهان الإسرائيلي على بعض المكونات الطائفية الصغيرة في الجنوب السوري، سواء كانت درزية أو علوية، لضبط المعادلة الأمنية، هو رهان أقرب إلى السراب.

فالوقائع الديمغرافية الصلبة تُبيّن أن هذه المكونات أقل عدداً بكثير من أن تملأ الفراغ الاستراتيجي في الجنوب أو أن تقف في وجه مدّ بشري إسلامي ثائر وعابر للحدود.

وفي حال تفكك الدولة المركزية السورية نتيجة اغتيال غير مسؤول لرئيس سوريا أو نشوء فراغ سيادي في الجنوب، فإن هذه المكونات – عوضاً عن أن تكون صمام أمان – ستغدو أهدافاً غارقة في بحر الغضب والانفجار، ما يهدد باندلاع مجازر متبادلة وحرب لا تبقي ولا تذر.

(طاعة واشنطن.. أو هلاك الكيان)
إسرائيل، إذ تعانق هواجسها الأمنية، مطالبة الآن بالعودة إلى رشدها الاستراتيجي.
عليها أن تُصغي جيدًا لأوامر راعيها الأميركي الذي يدرك تمامًا خطورة زعزعة الجنوب السوري، وأن تُنهي سريعاً أي تدخل في البنية السيادية السورية، سواء عبر الوكلاء أو عبر التفجيرات الجوية.

فالإصرار على العبث بجنوب سوريا، في هذا التوقيت الذي (تتزاوج فيه الغضبة الإسلامية مع هشاشة المشهد السوري) ، سيُطلق ناراً إقليمية لا يمكن احتواؤها، ولن تكون حدود الجولان هي نهاية حريقها، بل قد تمتد لتطال جذور الكيان نفسه.

(ختاماً: درس من الجغرافيا والتاريخ)
لقد أثبتت تجارب إسرائيل مع جنوب لبنان، ومع قطاع غزة، أن الجغرافيا المقاومة لا تُروّض بالقصف ولا تُخضع بالحصار.

فكيف بها إذا امتزجت بجغرافيا جبلية معقدة، وغضب أممي عابر للحدود، وخبرة سورية متراكمة في حرب المدن والجبال؟

إن أي خطأ حسابي جديد من تل أبيب قد يُحوّل الجنوب السوري إلى (أفغانستان جديدة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة) ، وعندها لن يكون السؤال: كيف تحاصر إسرائيل الخطر؟ بل: هل يمكن لإسرائيل أن تبقى في الخريطة أصلًا؟؟
منقول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى