
ضعف النمط الإنساني”.. الصفة البارزة في التغطية الإعلامية للحرب الأخيرة \ بلال أحمد حجازى \ المصدر جريدة اللواء
يلعب الصحافيون أثناء النزاعات والحروب دورًا بارزًا في نقل الأحداث الحاصلة والإضاءة على كافة جوانبها، ويقع على عاتقهم مسؤوليات كُبرى في هذه الظروف الصعبة تجاه الجمهور، والرأي العام المتعطش لمعرفة آخر أخبار الاعتداءات والقصف وأماكن الخطر.
بخلاف التحديات الأمنية المتعلقة بسلامته الشخصية وقدرته على تحصيل المعلومات ونقلها للجمهور، يبرز تحدي مهم لدى الصحافي يتمثل في قدرته على الموازنة بين نقل الصورة العسكرية (والتي غالبًا ما تكون الأكثر أهمية في وقتها بالنسبة للمشاهد)، وبين الإضاءة على القصص الإنسانية والحالات الخاصة التي تمر على مرآه، فالصحافي ليس مسؤولا فقط عن توثيق الإعتداءت وأعداد القتلى والجرحى بل يجب عليه إيصال أثر الحرب على الأفراد، ومحاولة توجيه أنظار المسؤولين والجهات المعنية بالإغاثة، وحتى المتبرعين أو المتضامنين لمساعدة أشخاص غالبًا ما يكونوا منسيين في زمن الحرب، والتي قد تأخذهم في صمت.
في نظرة عامة على التغطية الإعلامية المحلية أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، “ورغم بعض المحاولات”، إلا أنه بدا جليًا النقص في “أنسنة” هذه التغطيات واكتفاءها بالجوانب العسكرية والميدانية. نتائج من المهم البحث في أسبابها مع صحافيين غطوا الحرب على الأرض لمعرفة المُعوّقات التي قد تمنع الصحافي من التركيز على هذه الجوانب، كما الاضاءة على أهمية ومعايير هذه التغطية التي من شأنها تحويل الضحايا من مجرد أرقام إلى شخصيات حقيقية لديها ما ترويه.
قضايا غائبة
غابت العديد من القضايا الحياتية عن الإعلام اللبناني أثناء تغطيته للحرب الأخيرة، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام. ومن هذه المواضيع على سبيل المثال تغطية ملف الأمن الغذائي ومدى توافر السلع في المحال، وكيفية ادارة هذا الملف مع يحمله هذا الأمر من خطر كبير على المجتمع، كما لموضوع النزوح وحاجاته، أزمة غياب المياه والاتصالات في القرى المدمرة ومدى تأثيرها على جودة حياة الناس، وغيرها.
يقول المراسل الميداني إدمون ساسين أن من يتابع التغطيات الاعلامية في هذه الحرب يتبين له وجود أزمة حقيقية يعاني منها عدد كبير من الصحافيين والفرق الإعلامية في لبنان وتتمثل في التركيز فقط على العمليات العسكرية والقصف والتوغلات (والتي وعلى أهميتها وضرورة الإضاءة عليها لما ينتج عنها من معاناة وشهداء وتدمير للقرى)، إلاّ أنها يجب ان تترافق مع الإضاءة على قصص الضحايا. ويضيف ساسين “الضحية هنا ليس من قُتل فقط، بل هو النازح الذي خرج من بيته باحثًا عن الأمان، والشخص الذي فقد كُل ما يملك بسبب الاعتداءات، أو الإنسان الذي لا يزال صامدًا في موقع قد يُشكل خطرًا على حياته مرسلًا بذلك مسحة أمل وحياة وسط الركام. أمورٌ كثيرة غابت عن بال الصحافيين في تغطياتهم”. (قصة صمود في علما الشعب أبطالها إم جورج وأبو جورج).
https://youtu.be/Y4LSpZJ8FIw
يعزو ساسين هذا الأمر بشكل أساسي الى النقص في تأهيل الصحافيين قبل ارسالهم لتغطية الحروب، وافتقادهم للتدريبات التي قد تُوسّع ثقافتهم الإعلامية وتُوجهّ بوصلة تغطياتهم نحو تظهير القصص والملفات الحياتية. ما يستدعي اتخاذ إجراءات ضرورية من قبل الصحافيين أنفسهم مثل العمل على تطوير مهاراتهم والضغط على غرف الأخبار ليكون هذا النوع من التغطيات أولية على أجنداتها في أي أحداث مماثلة سواءً داخلية أو حدودية. فحتى على صعيد المنطق التجاري والترويجي فإن القصة الانسانية غالبًا ما تكون مؤثرة وتدفع المشاهدين لمتابعتها، ما قد يفيد المؤسسة على مستوى المشاهدات والإنتشار.
بدورها تعتبر مراسلة تلفزيون الجديد سالي بو مرعي ومن خلال مشاهدتها أنّ الرأي العام في هذه الفترة كان مُهتمًا أكثر في معرفة المُستجدات العسكرية والأمنية، وفضوله يدفعه للسؤال عن أماكن القصف والأضرار أكثر من معرفة التفاصيل الشخصية للمتضررين والنازحين وأوضاعهم الحياتية والقصص الإنسانية، و”لكن يجب على الصحافي التوفيق بين الأمرين في إظهار ما يريده الجمهور من مستجدات وبين الاستمرار في تظهير معاناة المواطنين”.
وتضيف بو مرعي “في الجديد مثلا كانت غالب التغطيات تتعلق بما ذكرته من أمور عسكرية وميدانية، ولكن تم ترك فرصة للصحافيين العاملين في الاقسام الاجتماعية لتغطية الجوانب الانسانية مثل حركة النازحين وأعمال جمعيات الاغاثة وغيرها”.
أسباب متنوعة
إلى جانب غياب التدريبات اللازمة للصحافيين تبرز عديد الأسباب التي تجعل من القصص والتقارير الإعلامية مرتكزة على السرد والأحداث الميدانية في فترة الحرب، من هذه الأسباب ما يتعلق بالصحافيين، ومنها ما تفرضه المؤسسات والواقع الإعلامي في لبنان.
في السياق، قالت مراسلة الـ LBCI لارا الهاشم أن طيلة فترة الحرب كان الجانب الإنساني شبه غائب عن تغطيات الصحافيين سواءً في القنوات المحلية أو الأجنبية، ولم تتوفر تقارير معمقة تمس واقع الناس ومستقبلهم وجنى أعمارهم مثل حاجات القرى الحدودية والسكان الصامدين فيها وحاجات النازحين أو الأضرار في المحاصيل الزراعية والخسائر في قطاع الحيوانات والمواشي وغيرها من القضايا. وقد اعتبرت الهاشم أن السبب في ذلك يرجع الى الواقع الأمني طبعًا والذي يجعل الصحافيين حذرين من التوجه الى القرى الحدودية والمخاطرة للقيام بهذا النوع من التقارير، وقد يكتفون بما هو أسلم من خلال تغطية الواقع الميداني عن بُعد.
اضافة الى ذلك، تبرز بحسب الهاشم قضية غياب الثقافة المُجتمعية التي لا تعتبر الاهتمام بهذه الجوانب في وقت اشتداد الحرب أولية، وبالتالي هو أمر يمكن تغطيته لاحقًا. هذه الثقافة قد تؤثر على الصحافي وتدفعه الى تحييد هذه الجوانب من تغطيته، هذا فضلا عن موقف غرف التحرير التي قد تغيب عنها في بعض الأحيان هذه الاوليات أو أنها قد تقارب تغطية الحرب من ناحية أجنداتها السياسية الخاصة على حساب الناحية الاجتماعية أو الوطنية.
يبرز عند مقاربة هذه القضية وفي سياق الأسباب ما هو أوسع ليشمل النظام الصحافي والإعلامي ككل، حيث يعاني هذا النظام بحسب الأستاذ الجامعي في مجال الإعلام الدكتور جورج صدقة من التركيز على التحولات الكبرى، وترتكز التغطيات فيه على أعمال السياسيين وتصريحاتهم، وعلى شخصنة الأخبار، وكأن الأحداث المهمة يكتبها فقط الأشخاص البارزون والزعامات والمسؤولون. هذا التوجه لم يعد موجودًا في الصحافة الغربية التي أصبحت تنطلق بأعمالها من الحدث وقصص الناس.
في متابعة تغطية الحرب مثلا بحسب صدقة كنا نسمع عن إعادة الإعمار وأولوياته لكن لا نرى تحقيقات عن المتضررين أو الذين نزحوا لنعرف كيف يعيشون وما هي أوضاعهم، ويضيف: “لا تزال الصحافة اللبنانية على تقاليدها ما يستدعي إعادة النظر بمقاربة العمل الصحافي ولكن هذا الأمر مرتبط للاسف بتبعية وسائل الإعلام وانتماءاتها للأحزاب والسياسة بسبب التمويل بشكل أساسي”.
وترى الأستاذة في كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة وفاء أبو شقرا أن الصحافيين يتفاوتون في طريقة التعاطي مع الأحداث، وللأسف قد يتجنب بعضهم ومن ورائهم مؤسساتهم الاعلامية في اظهار التفاعل الإيجابي بين الناس، والتركيز على الفضائح والمصائب ظنًا أنها تؤمن لهم “السكووب والأكشن”. وهذا يقودنا الى التأكيد على أن تغطية الحروب والصراعات تخضع للشروط والأوليات التي تحددها السياسة التحريرية للمؤسسة.
تنتقد أبو شقرا طريقة تعاطي بعض المؤسسات الاعلامية مع الحدث عبر المخاطرة بإرسال الصحافيين لأماكن الخطر “لترينا فقط سُحب الدخان” بينما كان يجب أن نشاهد أوضاع الناس والنزوح وما أصاب المحاصيل التالفة، لا أن يُرسل الصحافي لخطر الموت دون تدريب”.
“لدينا كارثة تُسمى المراسل الحربي” تقول أبو شقرا، وهو اللقب الذي يُطلق على كل من قام بتغطية حرب ما، بينما المراسل الحربي في العالم يخضع لدورات عسكرية لمعرفة طريقة التحرك وكيفية الوقاية. بينما يُترك الصحافيين في لبنان دون معرفة لكيفية التعاطي مع الجمهور على الأرض وكيفية اختيار الأسئلة المناسبة والحصول على المعلومة وهذا يعود لأغلب المؤسسات غير الراغبة في تطوير صحافييها بينما الحل الوحيد هو في تمكين الصحافيين.
معايير يجب احترامها
قد نتفق جميعًا على أهمية تظهير القصص الإنسانية وقصص الصمود أثناء الحروب وإن اختلفنا على توقيتها وأولوياتها في مسار الأحداث، لكن المؤكد أن على الصحافيين أثناء العمل على هذا النوع من التقارير اعتماد معايير متنوعة وأن يضعوا في حسبانهم الخطوط الحمراء التي لا يجب أن يتخطوها في أعمالهم سواءً عند استصراح الأشخاص المنهكين أو الذين هم في حالة الصدمة، أو الأطفال أو ذوي الإعاقة وغيرهم من الضحايا. ويجب على الصحافي أن يمتلك المعرفة في اختيار التوقيت الأفضل للتحدث مع الضحايا واختيار الألفاظ المناسبة والأهم من ذلك أن يكون على دراية بالحدث وأبعاده على الأشخاص الذين ينوي مقابلتهم.
وقد أورد تقرير لشبكة الصحفيين الدوليين
https://ijnet.org/ar/resource/%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D8%AD-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%86 تصوير-الحروب-تحديات-أخلاقية-ونصائح-للمصورين
عدّة معايير أخلاقية أثناء تغطية الحروب ومجموعة إرشادات للمصورين الصحافيين العاملين في مناطق النزاعات منها مثلًا ضرورة فحص المكان بعناية ومعرفة إذا ما كان الوقت والمكان مناسبين لدخول الموقع بالكاميرا والتصوير، ومدى وجود خصوصية في المكان تستدعي توخي الحذر، على سبيل المثال، قد يكون المكان المستهدف يضم عددًا من النساء، و للعنصر النسائي خصوصية كبيرة.
كما يقع على الصحافيين تحديات أخلاقية كبيرة بين توثيق الحقيقة والحفاظ على خصوصية الأفراد الذين تتم تغطية قضاياهم. منها توخي الحذر والاحترام خلال التصوير، خاصة عندما يتعلق الأمر بتصوير الوجوه، ولا سيما في حالات مقتل أشخاص. في مثل تلك الحالات، يمكن التقاط صور عامة تعكس الوضع بدون التركيز على وجوه الأشخاص بشكل مباشر.
يجب أيضًا الامتثال إلى مجموعة من الإرشادات الأخلاقية خلال عملية تحرير الصور أهمها هو عدم التلاعب بأي شكل من الأشكال بالصور، بما في ذلك عمليات الاقتصاص (Cropping)، وقد تواجه بعض الصور لأشخاص قد طلبوا منك عدم نشر صورهم، وهنا يجب عليك الالتزام بهذا الطلب.
في هذا السياق ترى الهاشم أنه يجب على الصحافيين والمراسلين أولا وأخيرًا الحفاظ على الكرامة الإنسانية للأشخاص، فيمكن للصحافي أن يضيء على المعاناة والألم والصرخة دون إظهار الشخص بطريقة مذلة تنتقص من كرامته أو من حالته النفسية والجسدية أو تخرق خصوصيته العائلية والشخصية. ويزداد الأمر حساسية عندما يتعلق الأمر بالأطفال والذين يمكن تصويرهم عن بعد إذا كانت القصة تستدعي ذلك دون استصراحهم أو تعريضهم لما قد يؤثر على نفسيتهم.
تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان”. موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير . وتقع المسؤولية عن محتواه حصرًا على عاتق “مؤسسة مهارات”، وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.