
كفى سمسرة على حساب طرابلس!*من قال إن طرابلس لا تستحق التفاهم؟ \ كتبت بنت الشيخ
ما أسهل أن تقف بعيدًا عن المشهد وتبدأ في إطلاق الأحكام العشوائية، لتوزع التهم يمينًا ويسارًا تحت عناوين براقة هدفها جذب الثرثرة والقيل والقال وحشد “الترند”، كما لو أن المدينة حكراً على البعض وممنوع على أي أحد أن يخرج عن طوعهم أو يربح شيئًا من وراء هذه اللعبة. وكأن كل قرار إنمائي يجب أن يمر عبر عباءتهم، متناسين أن التوافق في المجلس البلدي ليس رفاهية، بل ضرورة لمنع تكرار أخطاء الماضي التي أسفرت عن تراجع إنمائي وانهيار بلدي أثر على حياة أبنائنا.
في كل مرة يبدأ الكلام عن تفاهم او لقاء او تبادل افكار بين السياسيين، يصرخ البعض “صفقة! تحالف او تفاهم هجين!” كأن طرابلس ليست مدينة يحق لأبنائها أن يقرروا مصيرهم بل ينبغي أن يكون ذلك حكراً على فئة معينة او شخص معيّن. وكأن القرار البلدي يجب أن يرضي طموحاتهم الشخصية فقط، دون النظر إلى المصلحة العامة.
لقد قالها النائب فيصل كرامي بوضوح: “لن أرشح أحدًا، لكنني سأدعم من تتقاطع تطلعاته الإنمائية مع مبادئنا”. فهو لم يُدر المشهد من وراء الكواليس ولم يفرض أسماء، بل عبّر عن موقف سياسي واضح، كونه شخصية منتخبة وفاعلة. وإذا كان ذلك يزعج البعض، فالمشكلة ليست فيه، بل فيهم.
لا يمكن تجاهل أو نسيان أن تيار الكرامة تحديداً له رأي تمثيلي وقاعدة شعبية قوية، ومن الطبيعي أن يعبر عن مواقفه بشأن أي استحقاق في المدينة، وخصوصًا الاستحقاق البلدي والاختياري. إذا كان هذا الأمر يزعج البعض، فهذا شأنهم، ولكنهم ليسوا أحرارًا في تشويه الحقائق وخلق الافتراءات.
أما وصف ما يُسمى بالتقاطع او اللقاء او تبادل الافكار ووجهات النظر بين كرامي والنائب أشرف ريفي وغيرهما بـ”الصفقة”، فهو إهانة للوعي الشعبي أولًا، ومحاولة مكشوفة لتشويه كل مبادرة لا تمر عبرهم. فهل أصبح الالتقاء على مشروع بلدي لخدمة المدينة خيانة؟ هذه هي صفقتكم الحقيقية: صفقة مع الشعبوية، مع التحريض، مع تزوير الحقائق.
والصفقة هي أيضًا المتاجرة بآلام المدينة وبيع الناس الأوهام بالكلام الفارغ أحيانًا والمنمق أحيانًا أخرى.
أما ما يحصل اليوم، فهو محاولة جادة لكسر الجمود ومنع انهيار جديد على أبواب البلدية. بوصلة هذه المبادرات موجهة نحو مصلحة طرابلس الإنمائية أولًا، وخدمة أبناء المدينة ثانيًا.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن اللقاءات بين السياسيين ليست تهمة ولا مؤامرة مخفية، بل هي جزء من العمل السياسي الطبيعي الذي يهدف إلى مصلحة المدينة ويصب في مصلحتها البحتة.
هذه اللقاءات ليست سرية، بل هي ضرورية لتحريك عجلة العمل البلدي والتنفيذي. هي ليست ترفًا يُرفع عنه القلم، بل خطوة عملية تهدف إلى تسوية الخلافات وتوحيد الجهود من أجل خدمة طرابلس.
مصلحة المدينة يجب أن تأتي قبل أي اعتبار آخر، ولا مجال للألاعيب السياسية أو الحسابات الضيقة. وإذا تحقق التوافق بين الأطراف فهذا أمر يُحتفى به ويعكس الحكمة والوعي، أما إذا لم يتحقق، فلكل تيار وفريق سياسي حقه في التعبير عن رأيه واتخاذ خياراته، وهذا حق مشروع، ولكن تبقى الحقيقة الثابتة أن مصلحة المدينة هي التي يجب أن تسود.
لذا، كفى جلداً لطرابلس! هذه المدينة ليست حقل تجارب، ولا ملعبًا لشعارات جوفاء. من يريد الخير لها، فليشارك، ليعمل، وليدعم. لا أن يكتفي بإطلاق الرصاص العشوائي على كل محاولة إصلاح، ويسعى لإجهاضها. فليس كل تقاطع هو “مؤامرة”، ولا كل خطوة بلدية نحو الإنماء المتوازن لخدمة طرابلس هو خيانة!
وأخيرًا، القرار ليس حكراً على من يثرثرون. القرار هو بيد الناس. وطرابلس، بالرغم من كل ما عانته، ما زالت تملك من الوعي ما يكفي لتمييز من يسعى لبنائها ومن لا يتقن سوى الهدم. بين من يعمل ومن يثرثر، هل أصبحت تحالفاتكم مقدسة وتحالفات غيركم “خيانة”؟ وهل أصبحت الإنماءات ورفض التدخل السياسي تصنف ضمن الخيانة؟
الايام القادمة ستبيّن بين من يعمل لمصحلة وحدة “البلد” وبين من يعمل وفق مصلحته الخاصة ووفق اجندته الخاصة!