مقالات

أحد عرس قانا الجليل: دعوة للتجدد الروحي والوحدة في بداية الصوم الكبيرالدكتور جيلبير المجبر

في هذا اليوم المقدس، حيث نحتفل بأحد عرس قانا الجليل، المتزامن مع عيد المرفع ومدخل الصوم الكبير، نقف أمام معجزة إلهية حملت معها أعمق المعاني الروحية. لقد حوّل المسيح الماء إلى خمر في عرس قانا، معلنًا بداية رسالته العلنية، ومشيرًا إلى قدرته الإلهية على التجديد، والتغيير، وإحلال الفرح مكان النقص.

هذه المعجزة لم تكن مجرد فعل خارق للطبيعة، بل كانت إعلانًا عن العهد الجديد الذي جاء به المسيح، عهد النعمة والخلاص، حيث لم يعد الفرح الحقيقي يعتمد على الماديات، بل على الامتلاء من حضور الله. هذا الحدث التاريخي يحمل رمزية عظيمة، فهو دعوة لكل إنسان إلى السماح لله بأن يحول جفاف قلبه إلى نبع حياة، ونقص روحه إلى فيض من النعمة والبركة.

رسالة روحية وإنسانية في زمن الصوم

بالتزامن مع هذا الأحد المبارك، نستعد للدخول في زمن الصوم الكبير، هذه المرحلة التي تتيح لكل مؤمن فرصة للتوبة، والمصالحة، والتجدد الروحي. الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو رحلة داخلية نحو النقاء، نحو تصفية القلب من الأحقاد، وتحرير الروح من قيود المادة، والسعي وراء علاقة أعمق مع الله.

ولكن هذا العام يحمل معنى أسمى، إذ نشهد تزامن الصيام بين المسيحيين والمسلمين، في مشهد يجسد التآخي، والوحدة في الإيمان، والارتقاء فوق الحواجز الطائفية. ليست مصادفة أن يجتمع اللبنانيون بمختلف طوائفهم في زمن واحد من الصيام والتقرب من الله، بل إنها رسالة إلهية تذكرنا بأننا، رغم اختلاف الطقوس، أبناءٌ لإله واحد، وأن جوهر الإيمان يكمن في المحبة، والتسامح، والسلام.

لبنان بحاجة إلى معجزة: رسالة إلى الضمير الحي

وسط الأزمات التي تعصف بلبنان، يبدو هذا الصوم بمثابة نداء إلهي للعودة إلى القيم الحقيقية، إلى العيش المشترك القائم على المحبة والتسامح، إلى نبذ الانقسامات والبحث عن قواسم مشتركة تجمع ولا تفرق. وكما احتاج العرس في قانا إلى تدخل المسيح ليحوّل نقص الخمر إلى فيض من النعمة، فإن لبنان اليوم بحاجة إلى معجزة روحية، إلى يد إلهية تمتد إليه، لتبدل وجعه إلى رجاء، وتعبه إلى قيامة.

في هذا السياق، نستذكر مواقف الدكتور جيلبير المجبر، الذي لطالما رفع صوته مناديًا بوحدة اللبنانيين، بضرورة تجاوز خلافاتهم والالتفاف حول مصلحة الوطن، لأن خلاص لبنان لا يمكن أن يأتي إلا من أبنائه، حين يتحلون بروح التضامن والإيمان بالعيش المشترك. إن دعوته المستمرة للسلام والتآخي هي اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، لأن لبنان لا يحتمل المزيد من الانقسامات، بل يحتاج إلى نهضة تقوم على المحبة والتسامح والعدالة.

دعوة للتغيير الحقيقي

الصوم ليس مجرد عادة، ولا مجرد فترة زمنية نلتزم فيها بقيود جسدية، بل هو فعل إيمان، خطوة نحو تغيير حقيقي يبدأ من الذات وينعكس على المجتمع. فكما حول المسيح الماء إلى خمر، نحن مدعوون اليوم لأن نحوّل ضعفنا إلى قوة، وأن نستبدل اليأس بالأمل، وأن نجعل من صلاتنا صرخة للعدل والسلام.

فهل نستجيب لهذه الدعوة الإلهية؟ هل نستغل هذا الزمن المقدس لإعادة النظر في حياتنا، لنطهر قلوبنا من الأحقاد، ونمد يد المحبة لبعضنا البعض؟

إنها نعمة عظيمة أن نصوم معًا، أن نصلي معًا، أن نتضرع إلى الله بقلوب صادقة، طالبين سلامًا يعمّ لبنان، ورحمة تظلل شعبه، وبركة تغير مصيره نحو الأفضل. فلنفتح قلوبنا لهذه الدعوة، ولنسمح لنور الإيمان أن يقودنا إلى طريق الحق والخلاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى