
مناورات السلطة: من الإنكار إلى المكر… لبنان يواجه مصيره المحتوم الدكتور جيلبير المجبر
لبنان اليوم يعيش في حالة من التلاعب السياسي، حيث تُمارس المناورات بأعلى درجات الذكاء والدهاء، وتُغطى كل الأخطاء تحت مسميات براقة. ليس غريبًا أن نجد “ثنائي الإنكار” يواصل رفضه للواقع رغم المآسي التي يعاني منها الشعب اللبناني. يحاول هذا الثنائي أن يحقق مكاسب سياسية على حساب الوطن، ظنًا منهم أن تكتيكًا صغيرًا مثل تشييع الأحد أو بعض الفعاليات الشكلية قد يعيد لهم ثقة الشارع ويعوضهم عن الخسائر الاستراتيجية التي منوا بها. ولكن هذا الأسلوب لا يعدو كونه محاولة لإلهاء الرأي العام عن القضايا الكبرى التي تهدد مستقبل لبنان.
إن التأخير المستمر في منح الثقة، كما حدث مؤخرًا في تحديد جلسة الثقة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، أصبح أحد الأساليب التي يتبعها بعض السياسيين للتماطل في اتخاذ القرارات الحاسمة. فالحديث عن الجلسة القادمة التي كانت ستعقد هذا الأسبوع، ولكن تأجلت إلى الثلاثاء المقبل، يعكس ببساطة اللامبالاة بالمصير اللبناني. وكلما تأخر منح الثقة، كلما تعمق الانقسام السياسي في البلاد، وأصبح الشعب اللبناني أكثر شكوكًا في نوايا أولئك الذين في السلطة.
لماذا هذا التأخير؟
إن هذا التأجيل المتكرر في منح الثقة ليس مجرد تأخير إداري أو فني، بل هو استراتيجية سياسية تهدف إلى تمديد فترة الحكم على حساب حاجة الشعب اللبناني للإصلاحات الجذرية. فطالما أن الجلسات تتأجل وتتحول إلى مجرد ألعاب سياسية، يبقى لبنان في دائرة الجمود السياسي التي لا تنتهي. وهنا يكمن المكر السياسي: محاولة استغلال الوقت في تعزيز المكاسب الشخصية وخلق أوضاع شديدة التوتر، بما يجعل الشعب أكثر حاجة إلى هذا النوع من المناورات التي لا تهدف إلا إلى إخفاء الحقائق عنهم.
إذن، لماذا يُؤخرون الثقة؟ لأنهم يخشون المضي قدمًا في أي إصلاح حقيقي. القوانين والتشريعات التي يحتاجها لبنان لاستعادة توازنه بحاجة إلى إرادة سياسية قوية، وهذه الإرادة لا تأتي إلا من سياسة مبنية على الشفافية و الثقة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا إذا عاد السياسيون إلى مصالح الوطن العليا، وليس مصالحهم الضيقة.
دور الدولة في هذه المعادلة
لبنان بحاجة ماسة إلى دولة قوية تقوم على مؤسسات فعالة، وقضاء مستقل، وحكومة قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة في لحظات الخطر. لكن للأسف، فإن دور الدولة في لبنان يتضاءل في ظل غياب الثقة بين الشعب والنظام الحاكم. لقد أصبحنا أمام دولة ضعيفة تتسم بالغموض والتأجيل، ويمارس فيها السياسيون المكر في محاولة لتأبيد الأوضاع لصالحهم، دون النظر إلى مستقبل لبنان.
لقد أشار الدكتور جيلبير المجبر مرارًا إلى أن النظام السياسي اللبناني، في ظل هذه المناورات، لا يمكن أن يستمر في هذه الدوامة. إذ أن غياب الاستقرار السياسي والحكومة القوية يؤديان إلى مزيد من التفكك الداخلي. ومع استمرار التأجيلات في منح الثقة وتشكيل الحكومة، يعاني لبنان من فراغ سياسي طالما ساعد على تفتيت الوحدة الوطنية. في الوقت نفسه، يُفرض على المواطن اللبناني أن يتحمل تبعات هذه السياسة الفاشلة، التي لا تقدم سوى المزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
الانتقال من الإنكار إلى المكر…
إن ما نراه اليوم في لبنان ليس سوى محاولة لإخفاء الواقع المرير، فبين الإنكار لما يحدث على الأرض والمكر السياسي، تغرق البلاد أكثر في الفوضى. هذا الثنائي الذي يرفض الاعتراف بحجم المأساة اللبنانية، يريد أن يقنع الشعب بأن التشييع والخطابات الرنانة أو تأجيلات جلسات الثقة هي حلول قابلة للتطبيق، لكن الشعب أصبح أكثر وعيًا بما يحدث. لا يمكن للبنان أن يُبنى على هذا التلاعب، ولا يمكن لأي سياسات سياسية زائفة أن تبني الدولة التي يحتاجها الشعب.
لبنان بحاجة إلى خطوات حقيقية نحو بناء دولة قانون تتمتع بثقة الشعب وقوة مؤسساته. لا يمكن للبلد أن يستمر في هذا الوضع الراهن حيث التأجيلات والمناورات السياسية تحل محل الإصلاحات الضرورية. على السياسيين أن يتوقفوا عن استغلال الوقت في تحصين مواقعهم، وأن يتبنوا سياسات جدية تضمن مستقبلًا آمنًا للبنان. ويجب أن يكون الإصلاح هو الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق السياسي.