
الوحدة والمقاومة والجيش والمجتمع اللبناني: رؤية سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب لحماية السيادة اللبنانية وتعزيز القيم الوطنيةبقلم: د.غَازِي قَانْصُو
النصوص التي اقتبستُها من كلمات وأقوال سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب التي عبّر فيها خلال الأسبوع المنصرم عن مواقفَ تتسم بعمق الفكر الواعي ووضوح الرؤية الوطنية والإنسانية. سأقوم بتحليل بعض النصوص ومناقشتها واستخلاص الاستنتاجات ما أمكن لي ذلك.
بعد الاطلاع، تتبيّن لدينا نقاط عدة مهمة طرحها سماحته بخصوص ما يجري حاليا في لبنان، أبرزها ما يلي:
أوّلًا-التّحليل:
١.التأكيدُ على قُدسيةِ الشهادةِ في سبيل الوطن، والتحيةُ لشهداء الجيش اللبناني وشهداء المقاومة والشعب:
سماحةُ العلامةِ الشيخ علي الخطيب يُعَبِّرُ عن تقديره الكبير للتضحيات التي قدمها شهداء الجيش اللبناني الباسل وشهداء المقاومة المتميزةِ بعطائها وتضحياتها وانجازاتها وشعبُ لبنانَ العظيم. وهذا يشيرُ إلى رؤيته بأن الدفاع عن الوطن وكرامته يمثل أسمى أشكال التضحية والعطاء والوفاء والمصداقية، كما يُظهِر إكبارَهُ للدماء الزاكية التي امتزجت دفاعًا عن السيادة الوطنية؛ مقاومون أشداء في الإباء والتّصدي وجنود الجيش اللبناني البواسِل، ويُعَبِّر هذا الموقف عن استنكار سماحتِهِ لجريمة الاعتداء على الجيش اللبناني الذي يمثل وحدةَ الوطن والدولة والارض والمصير.
٢.الدعوة للوحدة الوطنية:
يكرر سماحتُهُ في كلماته النداء إلى اللبنانيين كافة، مُكوِّنات الكيان اللبناني الواحد، للوقوف صفًا واحدًا لحماية الوطن والدولة والكيان برمته، وبناء “دولة قوية قادرة وعادلة لمواطنين كرام” يُعَبِّرُ عنها دومًا سماحتُهُ بتعبير “دولة المواطنة”.
هذه الدعوة تؤكد حرصَ سماحته على تعزيز الوحدة الوطنية، والسلم الأهلي، وبناء الدولة القادرة العادلة، كُسُبُلٍ لتعزيز الاستقلال الحقيقي.
٣.رفض الاحتلال والعُدوان:
يوضحُ العلّامةُ الخطيب رفضه القاطع للاحتلال الإسرائيلي وممارساته الإجراميةِ الهمجية الوحشية. ينتقد الصهيونية وكيانها باعتبارهما نظامًا يعتمد على الإبادة والجريمة بحق الإنسانية جمعاء، حيث يرفضُ هذا الكيانُ الغاصب المجتمع الدولي وقراراتِه والقانون الدولي، ويمارس كل انواع العنف والاجرام من القتل والتدمير للأبنية السكنية والمساجد والتهجير القسري وارتكاب المجازر الكبرى بحق المدنيين من السكان في لبنان وفلسطين. وبالتالي يتخذ سماحتُه موقفًا حاسمًا ضد أي شكل من أشكال التطبيع أو التنازل أمام هذا العدو وعدم بقائه في أي شِبرٍ في أرضنا المُباركة، وبالتالي وجوب المطالبة والعمل على تحرير تلال كفرشوبا ومزارع شبعا والغجر وقرانا اللبنانية المصادرة.
٤.التضامن الإنساني مع النازحين:
يشيد سماحتُهٌ بالبيئاتِ اللبنانية التي احتضنت النازحين ورفضت الوقوع في فخ الفتن العصبوية. هذا يعكس التزام اللبنانيين بالمبادئ الإنسانية والأخلاقية والوطنية، مع تأكيد سماحته على ضرورة خدمة النازحين وهذا واجب الدولة بالدرجة الاؤلى، كما على المجتمع الاهلي ومؤسسات المجتمع الدولي تضافر جهودهم الاغاثية والاعمارية في العمل لملاقاة النازحين في كل ما يلزمهم، وإعادة بناء المؤسسات الخاصة والعامة فور وقف إطلاق النار،، من دون أي تسويف او تأخير، كما التأكيد على التعايش الوطني السلمي ما بين جميع مكونات المجتمع اللبناني الكريم.
٥.إدانة العدوان الصهيوني:
يستخدم سماحتُه عبارات قوية لوصف ممارسات العدو الإسرائيلي، مثل “الوحش الصهيوني” و”عدو الإنسانية”. يظهر هذا البعد المبدئي الوطني-الانساني الرافض للاحتلال والعنصرية والهيمنة والقمع والقهر، مشددًا على أن التعايش الحضاري في لبنان يتناقض مع عنصرية الكيان الصهيوني.
٦.تمجيد المقاومة:
يعتبر سماحتُه أنّ المقاومة حركة رفض للهيمنة والقهر والعبودية والاحتلال والعدوان على الوطن، ويُثني على المقاومين الذين يدافعون بحق وببسالةٍ ليس لها مثيل، فهم الذين منعوا العدو من احتلال الارض، وهم الذين فرضوا على العدو قبول وقف إطلاق النار.
يُبرِز هذا التصور لدى سماحتِه المقاومةً كقوةٍ شرعيةٍ، تُعزز السيادة الوطنية والدفاع عن ارض لبنان وحدوده وإنسانه وثرواته.
٧.التحذير من الفتن والتفرقة:
يدعو سماحتُهُ إلى إفشال محاولات إثارة الفتن بين اللبنانيين، ويرفض كليًا المخاوف من وهم التغيير الديموغرافي الذي لا يفكر به أيٌ من اللبنانيين، ولا يسعى اليه النازحون بأي شكل من الأشكال، فهم عائدون الى قراهم وبيوتهم مهما كان حالُها. وهذا يعكس إيمان سماحتهِ بقدرة المجتمع اللبناني على التماسك في مواجهة التحديات والهواجس والأوهام كما يواجه الاحتلال والإجرام، كما يعكس أن لا هدف لدى النازحين الا العودة إلى بلداتهم وبيوتاتهم التي انتُزُعُوا منها بالقصف العشوائي الهمجي فاضطروا إلى النزوح.
ثانيا-المناقشة:
١.الرسائل الوطنية:
سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب يعبر عن رؤى واضحة تتعلق بالحفاظ على الهوية الوطنية والسيادة وبناء الدولة، ويعزز فكرة أن التضحية من أجل الوطن أمرٌ مقدس، وانه متمسكٌ بأن “لبنان وطن نهائي لجميع بنيه، فهو المنبر الحضاري الذي يقدم للعالم مفهوم الوطن الرسالة”.
٢.الإدانة الحازمة للعدو الصهيوني:
يستعمل سماحته العبارات القوية في وصف الاحتلال كما هو في الواقع، و ضد أي عدوٍ أو تهديد خارجي، مع إظهار العدوان الإسرائيلي كنموذج للظلم والهمجية الإجرامية وهذا ما تثبته بشكل جلي الحرب الحالية والحوادث المرتبطة بها.
٣.التوازن بين المقاومة والتعايش الوطني الواحد:
يجمع سماحته بين دعم المقاومة ضد الاحتلال وتعزيز قيم التعايش بين مكونات المجتمع اللبناني، مما يبرز مقاربة متوازنة للدفاع عن الوطن الى أن يتم بناء الدولة اللبنانية القادرة العادلة وإعداد الجيش اللبناني القوي المُقتدِر على حماية لبنان من أعدائه.
٤.الأبعاد الإنسانية والتطمين:
رسائله حول النازحين ورفض التفرقة بين اللبنانيين تحمل بعدًا إنسانيًا يعزز القيم الأخلاقية في المجتمع اللبناني، ويرفض ما يقوم به بعضهم من إخافة اللبنانين من حدوث تغييرات ديمغرافية، فهذه هواجسُ وهميةٌ ليس لها أي مصداقٍ على أرض الواقع، فلا يشغلنّ أحَدٌ نفسَه بذلك.
٥.الموقف من الكيان الغاصب: الاحتلال
إن الجرائم التي يرتكبها العدو الاسرائيلي بحق لبنان وأهله، وبحق أبناء الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم كله ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية دون أن تقوم بواجباتها في تطبيق القانون الدولي الذي يحتم حماية الإنسان في فلسطين ولبنان وفي جميع البلدان.
وبالتالي فإنّ سماحتَهُ يُحَمِّل “المُجتمَعَ الدَّولي ومؤسساته مسؤوليةَ ما يجري على اللبنانيين والفلسطينيين من مظالم ومنها جرائمه المستمرة، فإنّ ذلك لن يزيد شعبينا في لبنان وفلسطين الا إصرارا على التمسك بقضايانا المحقة، ومتابعة النضال على طريق التحرير لكل شبرٍ من أراضينا والدفاع عن سيادتنا الكاملة عليها.
ثالثا- الاستنتاجات:
■إنّ سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب يطرح رؤياهُ الشاملةَ، تتميز بلبنايتها وعروبتها وإنسانيتها وبالإيمان الرّبّاني الذي يجمع المؤمنين أنّى كانوا، وتمزج بين الوطنية والمقاومة والقيم الإنسانية. كما يدعو إلى الوحدة وحماية السيادة وبناء الدولة القادرة العادلة لمواطنين كرام تحفظهم ويحفظونها، وَتبني مؤسساتها الدستورية بإرادةٍ لبنانيةٍ جامعةٍ، مع تأكيده على البُعدٍ الأخلاقي في التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية.
■يبرز خطاب سماحته كموجه أخلاقي وسياسي يُرشد اللبنانيين نحو التكاتف وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح السياسية والشخصية الضيقة وعلى العصبية البغيضة، مع التحذير من الوقوع في فخ الفتن الداخلية.
■خِتامًا، إنّ سماحة العلامة الشيخ الخطيب يقدم نموذجًا للقيادة الدينية الواعية الملتزمة المسؤولة التي تمزج بين العمق الفكري والرسالة الأخلاقية، مما يجعله صوتًا مؤثرًا في الساحة اللبنانية والعربية والاسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم: أ.د.غَازِي مُنِير قَانْصُو
المستشار الخاص لرئاسة المجلس الشيعي
استاذ جامعي، عميد كلية جامعية
عضو اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي
الإثنين في ٢٥-١١-٢٠٢٤