مقالات

*الذكرى الخامسة لرحيل العميد عبد الغني عماد \ كتب د. مصطفى الحلوة

…خمسُ سنوات من الغياب عجافٌ..ومن جلسات مسائيّة ما عادت تحلو بدونه!
خمس سنوات قد لا تكون كثيرة في حساب الزمن، ولكنّنا نُعاني وطأتها، فَمَن فَقَدْنا رجلٌ، ليس كسائر الرجال!.. رجلٌ ندب نفسه للبحث العلمي الرصين، فكان أن ارتقى درجاتٍ عُلَى، وهو يحفر عميقًا، في سوسيولوجيا الاسلام السياسي والحركات الجهادية، مُغلِّبًا السوسيولوجيا على الايديولوجيا، بخلاف معظم مفكّري الغرب و”تابعيهم” من مفكّرينا، وقد ذهبوا في الاتجاه المعاكس!
كنّا أربعتنا: العميد عبد الغني عماد، والعميد عبد الحكيم غزاوي، والكاتب السياسي معتز فخر الدين وأنا العبد الفقير (مصطفى الحلوة)، نلتقي كل مساء في إحدى مقاهي طرابلس، مكرّسين طقسًا يوميًّا، فنخوض في همومنا الطرابلسيّة، وقضايا وطننا المنذور شعبه للقهر والعذاب، كما في مسائل فكريّة، عبر حوارات تفاعليّة، لا تخلو من حِدّة، بعضَ حين!..وكانت هذه الجلسات تمتدُّ، حتى ساعة متأخرة من الليل!
وذات صباح، تحلّ الكارثة المنتظرة..يُغادرنا عبد الغني، إثر معاناة مع مرض عُضال، لم يُمهله سوى أشهر معدودة!
رحل العميد في 11 آب، فتوقفت، من ساعتها، عقاربُ جلساتنا، وانفرط عقدنا، إذْ كان عبد الغني واسطة العقد!
لم تنقطع أواصر العلاقة بيننا، نحن الثلاثة الباقين. وقد كان لأحداث 17تشرين 2019، التي استمرت لسنوات ثلاث، كما لوباء كورونا، أن يُشكّلا عاملًا إضافيًّا في إجهاض تلاقينا، إلى أن قرّرنا معاودة جلساتنا، منذ عدة أشهر، إحياءً لذلك الطقس، من زمننا الجميل..عُدنا، والعَودُ أحمد، ورابعنا عبد الغني الحاضر بيننا، روحًا وطيفًا، وإن غاب بالجسد!..في جلساتنا اليوم، نستحضره، عبر استرجاع الكثير من مواقفه الفكرية الجريئة وآرائه السديدة، ورؤاه الاستشرافية، معوّضين بذلك بعضًا من غياب!
مشينا ثلاثتُنا في جنازته، مع العديد من قادريه، وبغياب ملحوظ من كثيرين تتلمذوا عليه وغدوا “زملاء” له، في جامعتنا الوطنيّة . فيا لقباحة هذا الزمن الرديء!
رحل عبد الغني، بعد أن أثرى المكتبة العربيّة بما يزيد على ثلاثين مؤلَّفًا، هي من عيون المؤلّفات، في مختلف أبواب العلوم الاجتماعية ومجالاتها.
رحل عبد الغني، وكان قد أكبّ على مشروع، لم يشهد خواتيمه، حول جانب مهم من تاريخ طرابلس، عبر مجلدات المحكمة الشرعية، إبّان الفترة العثمانيّة.
غاب عبد الغني، كما سحابة صيف، إذْ لم يحظَ بتكريم من جامعته، وهو أحد عمدائها ومن كبار باحثيها، اللهمّ سوى “جَمْعَةٍ”لبضعة أساتذة، في معهد العلوم الاجتماعية في طرابلس، قيلت فيها بعض شهادات، مع فيديو لعدة دقائق!
ومن أسف، لم يخطر في بال القيّمين على الجامعة أن يكرّموه، بتنظيم مؤتمر بحثيّ، حول تراثه الفكري، الذي ثمّنه عاليًا باحثون وسوسيولوجيون، من مختلف البلاد العربية. فقد عرفوه من قرب، لدى مشاركته في فعاليّات ومؤتمرات، عُقدت خارج لبنان، وكان فيها من المجلّين.
إرتحل عبد الغني إلى الملأ الأعلى، هانىء البال، مخلّفًا آخر كتاب من مشروعه الفكري، بعنوان إشكالي: “في جينالوجيا الآخر/المسلم وتمثّلاته في الاستشراق والانتروبولوجيا والسوسيولوجيا”
رَحِمَك الله، عبد الغني، فقد كنت بحقّ علمًا من أعلام مدينتنا، وصاحب قلم حرّ، ومسيرة نضالية، عزّ نظيرها!
عبد الحكيم غزاوي/ معتز فخر الدين/ مصطفى الحلوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى