
خمسون سنة ..هلّ تعلّمنا.. \ كتب أدهم أحمد معماري
تمر خمسون سنة على اندلاع الحرب اللبنانية، نصف قرن من الزمان فصلنا عن تلك الأيام السوداء التي انزلقت فيها البلاد إلى أتون من الدماء والانقسام والدمار، لا تزال آثارها عالقة في الذاكرة وفي بنية الوطن. كابنٍ لأحد قادة “جيش لبنان العربي”، أكتب اليوم من موقع الشاهد، الحاضر في تفاصيل تلك المرحلة لا من موقع الحكم، ولكن من منطلق الواجب تجاه أبناء هذا الجيل الذين لم يعايشوا الحرب، ولكن يعيشون نتائجها كل يوم.
الهوية والانتماء بين نارين
كشخص ينتمي للطائفة السنية، لا يمكنني أن أتحدث عن تلك الحقبة دون الاعتراف بالشعور العميق بالظلم والإقصاء الذي كان سائداً لدى شريحة واسعة من المسلمين في لبنان. ولكننا في المقابل، وقعنا في فخ الرد على التهميش بالعسكرة، وردّ الإقصاء بالاقتتال. “جيش لبنان العربي” لم يولد من عبث، بل من شعور عارم بأن لبنان بحاجة إلى توازن وعدالة حقيقية. لكن التجربة أثبتت أن السلاح، مهما حمل من شعارات وطنية أو طائفية، لا يبني وطناً.
الحرب لم تكن حلاً
كل فريق من أطراف النزاع كان يعتقد أنه على حق، وأنه يقاتل من أجل قضية مقدسة. ولكن الحقيقة المرّة أن الجميع خسر. خسرنا الأبرياء، وخسرنا لبنان، وخسرنا الثقة ببعضنا البعض. اليوم، بعد خمسين سنة، لا تزال الطائفية تسكن خطابنا، والانقسام يهدد يومياتنا، وكأننا لم نخرج فعلاً من الحرب.
الدرس الأهم: لا خلاص إلا بالدولة
نوافق فخامة الرئيس جوزيف عون خطابه الجامع يوم السبت ولكن كابن لقائد عسكري خاض غمار الحرب، أدرك تماماً أن الحل لم ولن يكون إلا عبر دولة عادلة وقوية تحتضن جميع مواطنيها دون تمييز. الحرب لم تكن ثورة ناجحة، ولا كانت دفاعاً ناجزاً عن الحقوق. كانت مأساة. أما العدالة، فمكانها في المؤسسات، لا في المتاريس.
رسالة إلى أبناء جيلي والأجيال القادمة
لا تسمحوا لتاريخنا المجروح أن يتحول إلى قدر محتوم. تعلموا من أخطاء سابقة، اسألوا عنها، لكن لا تقلدوها في مآسيها. تحروا عن من سبقونا خذوا من تضحياتهم العِبَر، لا المواقف. واجهوا الطائفية بالفكر، وردّوا على التهميش بالمشاركة والمطالبة بالعدالة. ابنوا دولة تحمينا جميعاً، لا دويلات تحكمنا بالتخويف.
خمسون عام مضت… فهل نتعلّم؟
ليست الذكرى مناسبة لاستعادة الانقسام، بل فرصة لمصارحة النفس. علينا أن نقرأ تاريخ الحرب لا لنبكي عليه أو ننتقم، بل لنعرف كيف لا نعود إليه. كفى تناحراً باسم الطوائف، وكفى احتراباً على مقاعد السلطة. فاللبنانيون جميعاً، مسلمين ومسيحيين، دفعوا ثمن الحرب، وعلى الجميع أن ينعم بالسلام.
نحن طوينا الصفحة وبنينا المؤسسات الوطنية والإنسانية، حفظ الله لبنان …
أدهم أحمد معماري