
الفقه والمصلحة: دور المصالح والمفاسد في توجيه البحث الفقهي_ \ *سلوى فاضل
هو كتابٌ تخصصيّ، سعى “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي”، إلى تسويقه في بيروت على صعيد الحوزات، ربما لعدم دخول مادة الفقه الإسلامي إلى التعليم الأكاديمي كاختصاص جدير بالدراسة، ونظرًا لحاجة الحوزات اللبنانيّة لهذا النوع الأكاديمي الحديث، في ظلّ اتكال الحوزة، بما هي منهج تعليم ديني بحث، غالبّا على كتب التراث التي تعود مئات السنين إلى الوراء.
إنه كتاب (الفقه والمصلحة) عنوان جاذب للمثقف والمُهتم مهما كانت درجة علمه ومستواه الفكري، حيث أن المؤلف، وهو شيخ إيراني، الشيخ أبوالقاسم عليدوست، سجّل كتابه هذا باللغة الفارسيّة، وترجمه إلى العربيّة حسنين الجمّال. وهذا الكتاب ليس الأول من بين الكتب المُترجمة، خاصّة أن الكاتب شيخ مُعمم حوزويّ تنّقل بين عدد من الحوزات في بلده إيران بدءً من يزد إلى شيراز فحوزات قم المُقدسة.
مع العلم أن أصول الفقه، كعلم يُعنى باستنباط الأحكام الشرعيّة، يشترك فيه كل من السنّة والشيعة، لكنه يختلف في بعض التفاصيل والتطبيقات، حيث يعتمد كلا المذهبين على القرآن والسُنّة كمصدرين أساسيين، مع اختلافات في فهم السُنّة وتطبيقها. ويركز أتباع المذهب السنيّ على اتباع مثال النبي محمد (ص)، بينما يركّز أتباع المذهب الشيعي على موروث أهل البيت (عليهم السلام) من خلال الأئمة الإثني عشر. وبشكل عام، يمكن القول إن علم أصول الفقه في المذهب الشيعي يعتمد على مصادر أوسع وأشمل من المذهب السنّي، حيث يشمل بالإضافة إلى القرآن والسنّة النبوية الشريفة، أقوال وأفعال أهل البيت والاجتهاد المبنيّ على ذلك، بينما يُركز المذهب السنّي على القرآن والسنّة بشكل أضيق. أصول الفقه عند أهل السنّة والجماعة هي عبارة عن الضوابط والمناهج التي يستنبط من خلالها الفقهاء القضاء الشرعي من مصادره الرئيسيّة، أي القرآن الكريم والسنّة النبويّة، إضافة إلى الإجماع والقياس. ويهدف هذا العلم إلى وضع أسس ضرورية للاجتهاد واستنباط الحكم الشرعي، وتحديد مصادرها وكيفية السيطرة عليها عند التعارض.
الهمّ الإصلاحيّ
اهتم عليدوست وصبّ جلّ اهتمامه على الفقه والأصول، فيبحث أبو القاسم في دور المصالح والمفاسد في توجيه البحث الفقهيّ. وهذا الكتاب المتوسط الحجم نسبيّا، مؤلف من 243 صفحة فقط، مترجم من الفارسيّة إلى العربيّة، مع عدد كبير من المراجع والفهارس والاحالات، ممتدة على ثلاثة فصول عمليّا.
واللافت والجميل أن كتب الشيعة، كما يُلاحظ المتابعون، تعتمد دومًا وغالبًا على المصادر والمراجع السنيّة، وإن كنا لا نرى العكس إلا للتدليل على خلل عقدي(عقيدي) أو تاريخي ما!
فالفصل التمهيديّ يتناول المفاهيم والمُصطلحات الفقهيّة الأصوليّة ذات الصلة وتعريفاتها، لتأكيد العلم الذي يخوض فيه المؤلف، وهو باحث حوزوي لم يُقصر همّه على العقائد، بل تعداها وتخصص بالأصول، وهو علم من أصعب المباحث الحوزويّة.
في حين تناول الفصل الأول الأحكام والمبانيّ العقليّة والاستصلاح والسند عند الإماميّة والاستنباط والمصالح المُرسلة.. وهي كلّها معاني ووسائل عمل أصوليّة مختصة تُقرّب من المنطق، المنطق الإلهي المقدس الذي يلجأ إلى التفسير المتنوّع لآيات القرآن وللأحاديث المروّية والسنّة النبويّة الشريفة.
أما الفصل الثاني المُعنون بـ”ضرورات الاستصلاح ولوازمه الفقهيّة” فهو الزبد من الكتاب المهم هذا، حيث يدخل الشيخ الباحث عليدوست، وإن بفصل مختصر، التعليل والعلّة والمصلحة الشرعيّة…
الإشكاليّات
الكتاب الحوزويّ الأكاديميّ هذا يطرح عدد من الأسئلة، منها: هل الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها؟ فمنذ أن طُرح هذا السؤال انقسم الفقهاء إلى فرق عديدة، وأخذوا مواقف متنوعة، بين من يرى أن الله تعالى يُشرّع ويختار ما يشاء وأفعاله ليست مُعلّلة بالأغراض والغايات، ومن يرى أن التشريع لابد أن يكون هادفًا حتى لو كان تشريعًا إلهيّا، وبالتالي لم يُحرم الله إلا ما فيه المفسدة، ولم يُوجب شيئا إلاّ لمصلحة تستدعي هذا الوجوب.
تغييرات بنيويّة
أصول الفقه، بحسب الباحث الشيخ عليدوست، بحاجة إلى تنقيح وتهذيب في المباحث، وهذا بدوره يؤدي إلى تغييرات بنيويّة. وقد دعا إلى اعادة تكوين أصول الفقه وإعدادها ومجال ظهورها ودور الفقه والنظريات والمُقاربات. فأصول الفقه هو العلم الإسلامي الوحيد الذي تكوّن على يد المسلمين أنفسهم منذ البدايات الأولى لنشر الدعوة، واستمر بتطوره البطيء. ففي أصول الفقه يوجد قضيتان جوهريتان، هما: معرفة السند وفصل المصادر عن غير المصادر، وتوّفر الأدلة العامة والخاصّة.
فلا قضية تُطرح في أصول الفقه دونما سبب، بل إنّ هناك قضايا تكوّنت بحسب الحاجة، فأسُس الفقه شهدت تدرجات وعلى مراحل أولّها: الكتابة وتنسيق الكتب وفقرة الأصول أو علم الكلام، وفترة تطور الأفكار مع دخول القرن الثاني الهجري وصولًا إلى القرن الرابع الهجري. فبحسب عليدوست لا بد من “التطرّق إلى أسس الفقه، حيث توجد نظريتان الأولى، عملت على تضخيم أصول الفقه وأدخلته قضايا متعددة غير تطبيقيّة. والثانيّة، تفيد بأن ما لدينا من أصول الفقه يكفينا ولسنا بحاجة إلى تطويره”.
وبالتالي، لا يمكننا القول إنه “هناك قضايا زائدة في هذا العلم، ومن يطرح هذه الشبهات ما زال لا يُميز بين أمرين: الحاجة والضرورة. فلا يجب التأكيد على أن بعض القضايا زائدة، كما لا يجب أن نتصوّر أنّها من أصول تطبيقيّة واحدة”. و”يجب إدخال الكثير من القضايا في دائرة أصول الفقه، فنحن بحاجة إلى الفقه الفعّال وفقا للمعايير المعروفة بحسب تطور الزمان والظروف”. فهل ترانا “نجد الشريعة قادرة على تغطية كلّ قضايا الإنسان أم لا. وهذا يُعد انكفاء إسلامي فقهيّ”. من هنا، فإن أصول الفقه بحاجة إلى التنقيح والتهذيب في المباحث والإكمال وإضافة القضايا والتغييرات البنيويّة.
خاتمة
إضافة إلى القضايا التقليدية التي يعالجها الفقه ظهرت مستحدثات في القرن الأخير فرضت على العلماء المسلمين استنباط ما يناسب من فتاوى للجمهور، مثال: الاستنساخ البشري، والتكنولوجيا المتطورة، قضايا البيئة، وقضايا الاقتصاد الرقمي، والمعاملات المالية عبر الإنترنت، والتجارة الالكترونية، وقضايا الإعلام والاتصال، وقضايا الأخلاق الطبية كالإجهاض، والموت الرحيم.