
قانون العفو العام قيد الإعداد.. ماذا عن الموقوفين الاسلاميين؟!.. غسان ريفي
في العام 1991 صدر عن مجلس النواب قانون عفو عام عن مرتكبي الجرائم خلال الحرب الأهلية على أن يعاد فتح ملف كل من المُعفى عنهم في حال أقدم على إرتكاب جريمة جديدة بعد خروجه من السجن.
وفي العام 1997 صدر عن مجلس النواب عفو عام عن مرتكبي جرائم المخدرات بالتزامن مع مساعي الحكومة اللبنانية لمكافحة زراعة الحشيشة وإستبدالها بتربية الأبقار.
وفي العام 2005 وعلى وقع زلزال إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري صدر عفو عام عن موقوفي أحداث الضنية وأحداث مجدل عنجر وعن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع المحكوم بالاعدام المخفف الى المؤبد بجريمة إغتيال رئيس حكومة لبنان الشهيد رشيد كرامي.
بعد العفو العام الأخير في العام 2005، شهد لبنان أحداثا أمنية خطيرة، من معارك تنظيم فتح الاسلام الى حرب مخيم نهر البارد، الى تداعيات الأحداث السورية الى مواجهات عبرا والمنية وعكار والتبانة وجبل محسن وأسواق طرابلس، الى العديد من العمليات الارهابية من إغتيالات وتفجيرات وعمليات إنتحارية ومواجهات مع الجيش اللبناني، أسفر عنها توقيف عدد كبير من “الاسلاميين” الذين بعضهم متورط وتم إصدار أحكام قضائية بحقهم تراوحت بين الاعدام (25 سنة) وبين المؤبد (20 سنة) وبين (15 و10 و5 و3 سنوات) بحسب الجرم الذي يُحاكم على أساسه.
أما أكثرية الموقوفين فلم تجر محاكمتهم حتى الآن، بالرغم من إنقضاء فترات طويلة جدا على توقيفهم، ويتوزع هؤلاء بين متورطين بشكل كامل أو بشكل جزئي في القيام أو التخطيط أو التحضير لأعمال عسكرية سواء في لبنان أو في سوريا، وهم أحيلوا من قبل القضاء العسكري بتهم الإرهاب، في حين أن المئات من الموقوفين الآخرين تم توقيفهم على شبهة الانتماء الى تنظيمات إرهابية، أو على النوايا أو لوجود صورة أو أنشودة أو فيديو على هاتفه الخاص، واللافت بحسب المتابعين هو أن “بعض القضاة يصرون على إحالة الموقوفين من مناطق سنية معينة بتهم الارهاب، من دون وجه حق، الأمر الذي أدى الى حالة غضب عارمة في صفوف النواب السنة والمناطق السنية في وقت سابق.
لا شك في أن ما يُعرف بملف الموقوفين الاسلاميين يختزن الكثير من الظلم والقهر، خصوصا أن هؤلاء يعيشون في ظروف صعبة للغاية، وقد تم تسريب أكثر من فيديو يُظهر ما يتعرضون له من ضرب وتعذيب، كما يعرض لحالات تمرد نتيجة شعورهم بهذا الظلم، وربما تتوافق كل التيارات السياسية على أن هذا الملف بات أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، ولا بد من إيجاد الحلول الناجعة له، لكن بعض هذه التيارات تضمر غير ما تعلن، وتعمل في الخفاء على عرقلة أية مبادرة لإنصاف الموقوفين والتخفيف عنهم وعن السجون حالات الاكتظاظ، حيث وُضع هذا الملف على نار حامية مع إنتخاب الرئيس ميشال عون في العام 2016 ودخل في حالة من المراوحة والمماطلة لنحو ثلاث سنوات، قبل أن يتلاشى في السنوات الثلاث الأخيرة من عهده، ويُطوى مجددا في فترة الشغور الرئاسي.
مع سقوط النظام السوري على يد فصائل هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع الذي تحدث عن ضرورة تسوية ملفات الموقوفين السوريين في لبنان على خلفية الثورة السورية، عاد ملف الموقوفين الاسلاميين وبقوة الى الواجهة، لا سيما مع قيام تكتل الاعتدال الوطني بتحضير مشروع قانون معجل مكرر لعفو عام يُستثنى منه كل متورط فعلي بقتل عسكريين أو مدنيين أو يواجه دعاوى تتعلق بحقوق الآخرين، ويشمل الحالات الأخرى ومن بينهم الموقوفين الاسلاميين.
تشير المعلومات الى أن تكتل الاعتدال الوطني وضع مسودة لقانون العفو وهو من المفترض أن يجول بها على كل الكتل النيابية لاستمزاج رأيها وأخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار، لكي يصار الى إقرار القانون بسهولة عند طرحه على الهيئة العامة خلال الجلسة التشريعية لمجلس النواب.
وبالتزامن تحركت دار الفتوى عبر أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي لجهة تشكيل لجنة من أهالي الموقوفين الذين قد يشملهم العفو من أجل المتابعة، وهي إلتقت قبل أيام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي شدد على ضرورة أن يأخذ هذا الملف طريقه الى الحل النهائي، لأفتا الى أنه أوعز بالاسراع في بت ملف الموقوفين من غير المحكومين من خلال تسريع المحاكمات لاحقاق الحق وتأمين العدالة.
ما يثير الاستغراب هو البطء والمماطلة في هذه المحاكمات، حيث أن كثيرا من الموقوفين الاسلاميين أمضوا في السجن أكثر بكثير من مدة العقوبة التي يمكن أن تصدرها المحكمة بحقهم، في حين أن بعضهم أمضوا سنوات طويلة ثم قامت المحكمة بتبرئتهم، وآخرون لا يعلمون ما هي التهمة الموجهة إليهم حتى الآن بالرغم من مرور سنوات على توقيفهم، لذلك، فإن غض الطرف عن هذه القنبلة الموقوتة لم يعد جائزا، ولا بد من تسريع المحاكمات وإصدار الأحكام لمحاسبة المتورط وإطلاق سراح البريء، والعمل بالسنة السجنية التي تنهي محكوميات المئات من الموقوفين، أو الركون الى قانون العفو العام الذي يضع حدا لهذه المظالم.
تتجه الأنظار الى ما ستقوم به كتلة الاعتدال الوطني، والى مواقف الكتل النيابية من مشروع قانون العفو العام الذي تعده خصوصا بعد سقوط النظام السوري وتهليل بعض التيارات لهذا الانجاز.. فهل يبصر قانون العفو النور خلال فترة وجيزة؟، أم أنه سينتظر إنتخاب رئيس للجمهورية ليكون هدية العهد الجديد تمهيدا لفتح صفحة لبنانية جديدة..
المصدر سفير الشمال