مقالات

في التأني السلامة \ كتب: بشارة مرهج

عندما يكون البلد واقعاً تحت الاحتلال الصهيوني والمحتل متشبث بمواقفه العدوانية، متمسك بسياسته التوسعية، رافض لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، مستهتر بالرأي العام الدولي، لا يتجاوب مع أنظمة عربية تسايره في أصعب اللحظات وتسكت عن سياسته الدموية تجاه غزة، فمن واجب الحكومة اللبنانية، التي يقضم العدو الصهيوني أرضها منهجياً منذ عام 1947 ، الاستعداد أكثر للمواجهة المحتملة مع هذا الاحتلال . والاستعداد يعني فيما يعنيه مراكمة السلاح الفعّال وزيادة تدريبات القوات المسلحة وتعبئتها معنوياً كي تكون في قلب المقاومة العربية التي لا بد أن تنشأ تصدياً لسياسات وأحلام نتنياهو التي كشف عنها مؤخراً، قائلاً انه وسط مهمة تاريخية وروحانية ومرتبط عاطفياً برؤية ” إسرائيل الكبرى” التي تمتد، على الأقل، من الفرات الى النيل وتقضم أجزاء واسعة من اراضي العراق ومصر والسعودية ولبنان والأردن وسوريا وبالطبع فلسطين التي يعمل على إبادة أهلها أو تهجيرهم.
إن العدو الصهيوني لم يعد يهتم برأي الدول العربية أو سواها وهو يرى أقدام جنوده في جبل الشيخ وبالقرب من السويداء وعلى بُعد أميال من دمشق. وفي غمرة نشوته بات يكشف خططه المستقبلية التي نعرفها ويتجاهلها العالم وأنظمتنا الحاكمة . فالعدو يشعر أن قوته طاغية وليس بحاجة لأحد إلا للطغمة الحاكمة في واشنطن والتي يحمل ملفات افرادها واحداً واحداً بصرف النظر عن موقعهم أو رتبتهم . ولكنه رغم تفوقه العسكري الكبير على صعيد الجو فهو يعرف بالعمق انه لا يستطيع كسر الدول العربية مجتمعة إلا إذا فرق صفوفها، وأوغر صدور حكامها على شعوبهم، وعطل أسلحتهم أو جعلها هزيلة لا تصلح للاستخدام إلا في الداخل. لكل ذلك يشن العدو اليوم حرباً نفسية طاحنة على الفرد العربي لمنعه من المقاومة وحمله على الاستسلام بحجة الواقعية والموضوعية . وبينما العدو يتوسع ويستعد لمزيد من التوسع تضعف قوته تدريجياً ويتراجع اقتصاده وتهتز وحدته ويتمرد العديد من ضباطه وجنوده ويهاجر الكثير من مستوطنيه وتنأى عنه شعوب كثيرة باتت تحتقر قادته ، وتنفر منه دول كثيرة باتت ترى خطره الماثل على الامن والاخلاق والسلام في العالم . ولعل أقسى منظر شاهده الضابط الاسرائيلي الذي انتحر بالأمس قبل ان يبلغ عامه التاسع والعشرين هو منظر المتظاهرين في تل أبيب الذين يطالبون مثله بوقف الحرب المجنونة على غزة ، والتي تحولت الى حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني وضد الحضارة والانسانية. وأحسب أن هذا الضابط الذي قاتل في غزة وشهد الجرائم الفظيعة التي يرتكبها جيشه بدفع محموم من نتنياهو وعتاة العنصرية والإجرام من اصحابه ومرؤوسيه، رأى بأم العين الدرك السحيق الذي وصلت اليه دولته الوالغة بالدم الفلسطيني. وربما وصل هذا الضابط الى استنتاج سليم بأن دولته لن توقف حرباً إلا لتبدأ أخرى فيما هو وزملاؤه يريدون العيش بسلام.
خلاصة القول إن قرار الحرب والسلم في هذه المرحلة ، وكما كان من قبل، هو بيد التحالف الأميركي الصهيوني. ومهما فكرنا واجتهدنا في تقرير هذه الأمور الخطيرة الآن فمن العبث نفي أو تعديل الوقائع التي تتدحرج على الأرض حيث يصبح من الخطأ الجسيم التخلي عن السلاح وعن كل مكامن القوة التي نملكها لمواجهة خطر محتوم يتحدث عن نفسه كل لحظة .
ولهذا كله من المنطق ان تعيد الحكومة اللبنانية تقييم الأمور وترى الواقع كما هو وليس كما تحلم به أو كما تراه جهات أدمنت على التزوير والتضليل.
ورحم الله من قال : ” في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى