مقالات

هلهلات من الرمق الأخير

أنا الجاهل
الذي من فقره يشتكي السقم
أيريدني الرحمان آية
يهتدي العباد بها
أم مجرد مرية
لا يقتفي أثرها أحد؟
إني لا أعلم مراد الله مني
و لكني أعلم
كيف يسري الضر و الألم
أ من شدة السقم تبرا الجراح؟
و هل جرحي و إن غار
لشفائي مفتاح؟
أ لسوء أُريد بي
أُداويه فأبرأ
ثم يعود مستكبراً جباراً
و النار ملء جوانحه
فأُداويه فأبرأ
ثم يهيج
فتراني مصفرا متفائلا
و الهلهلات على شفتيّ جُمَر
إذ لا أذْكر لنفسي
مثقال ذرة شرا
بها يعاتبني القدر
ترى
فيم ستُغْني الترابَ
غداً حدبائي
و قد شهدت دنياه
عظيم جهالتي و شقائي؟
إني لحقا جاهل
يا لظلمة قبري
يوم سيبلعني التراب
يا لغربة أهلي مني
يوم تستفزهم الأحزاب
يا لحرقة الوطن
الذي خلعني
بأمر شاعر أفاك
و تأبط شأنه الأغراب
من أستودع اليوم
سرّاً عشت العمر أرعاه؟
من يا ترى في ضمة القبر
سوف يلقاني و ألقاه؟
إني لحقا جاهل
أما للأرض ذاكرة
فتلحق بي سبحتي و سجادي؟
أما في فؤادها رحمة
فلا تتعجل رقادي؟
أين أُخزّن ذكرياتي؟
لمن أُورِّث أحزاني و براءاتي
و أريكتي
و ما اهترأ من آلاتي؟
إني لحقا جاهل
سأخلد إلى نفسي
ثانية طويلا
و كلي عزة و عناد
و سيهرع كالمعتاد لمأثمي
حين أُساق
المنكِر من أهلي و المِصداق
و ستبقى هناك على الرفوف
قوافي تتناثر و قصائد
لم يُكتب لها التمام
و ستظل ملء القلب
أسرار و أماني
و شكاوى و آلام
خُطّت بمداد الدم
على جبهتي و بناني؟
من يا ترى سيُخْلص لي
و ينتقي كما أنتقي
عناوين كتاباتي
و يلبسها كما ألبسها
أساي و حزني العربي
و يسقي بحورها آهات
ليُعلنها إذا حل العيد
آيات؟
إني لحقا جاهل
أ تراها قد تعبت في فمي الدعوات؟
ما لي مهما دعوت لا أستجاب
و تحل من غير دعاء
من حولي المعجزات؟
أ لِرحمة بي لم يصلني جوابي؟
أم لِعيب في ابتهالي؟
أم أن الأيام دول فحسب
و أن دوام الحال من المحال؟
أتراني إذْ أحسب لم أُستجب
قد استُجبت
و أُعطيت و وُفّيت
لكني لا أعلم؟
هل من خير في الذي مُنعت
و هل الشر في الذي أوتيتُ؟
إني لحقا جاهل
كأني بفقري رأسمال
حبانيه الله من غير رجاء
لكن الجاحد “أنا”
أظل أرغب في النعماء عند قوم
قد حُمّلوا وزري
و زادوا إلى إثمهم إثمي؟
كأني بالذي لم أُعْطَهُ
ما لم أستعجله جمّ خاثر
فَإنْ كان و لا بد٠٠٠
و ليْت ٠٠٠
و لعل٠٠٠
فلَنِعم الذُّخْر و لنعم التاجر
أ ترى
قد حجب الرحمان عن ناظريّ عظيما
إذ لم أوتَ من العلم إلا قليلا؟
أم أنّ العلم أمامي وضاح متدفق لألاء
و لكن لفرط جهلي
أمرّ على الآيات كريماً
و لا أهتدي إليها سبيلا؟
إني لحقا جاهل
ثم كم لي (جدلا)
من علم
إذا ركبت العلم
سوف أعلم
و أنا ولو عشت
بعد الألف خمسين
قضت و كأنها عند الله حينا؟
و إذ بالبصير قد قص في بصري
أ حتى لا أغوص في الغيب
و لا أخوض في السبب
و لا أستفهم على الله العلة
فأُصعق من عجب؟
إني لحقا جاهل

أتراني لا أحسن السمع؟
أم جُعل على سمعي الوقر؟
أم أنّ الله بلطفه
هذّب سمعي
فلا أفزعَ آناء الليل
من صراخ المعذبين
قبل العرض
و من أنين المستضعفين
فوق الأرض؟
أم حتى لا أستشعرَ
أنا نفسي
دبيب الموت
على رأس شاهِدي
ليغتالني من تحتِ ؟ٓ
إني لحقا جاهل
أ تراها قد تعبتِ الأيام مني
أم أني أنا المتعَب؟
أتُراني عالة الوجود
و هل وجودي علة
أم أنّ علة الوجود
وجودي؟
أ تراني قد أذنبت
إذ وُلدتُ طارت النعم؟
أم أني إذ وُلدت أصلا لم أولدِ؟
إني لحقا جاهل
قلت
و كأني بالهلهلات على شفتيه زمردا
أيتها النفس الزاكية
الوحيدة المتوحدة
رفقا بحالك و بحالي
ما ذنبي أنا و ما ذنبك
إذ طلعت من بين أترابي شاكية؟
ترى
كيف بي و بك
إنْ أُعطيتِ و أُعطيتُ
ما رجوتِ و ما رجوتُ
ثم ابتُليتِ فابتُليتُ
فكفرتِ فكفرتُ؟
ألاَ فاستريحي
أيتها الغالية
فإني على العهد باقية
و لعل الله إن شاء
أبدلني الخير خيرين
ما دمت راضية.

بقلم الدكتور: عبدالسلام الفري
الولايات المتحدة الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى