
الخطوات القادمة للإدارة السورية الجديدة د. محمد أمين الميداني
تناقلت مختلف وسائل الإعلام ما أعلنته مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس من أن الاتحاد يتبنى نهج «خطوة مقابل خطوة» فيما يتعلق بالأوضاع في سورية الجديدة، تبعاً لما تم إقراره في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد بالعاصمة البلجيكية (بروكسل) يوم 27 يناير بخصوص رفع بعض العقوبات المفروضة على سورية، خصوصاً في مجال الطاقة، تمهيداً لرفعها نهائياً في أواخر هذا العام. وتحدثت كالاس أيضاً عن خريطة طريق لتخفيف العقوبات، لكن تطبيق هذه الخريطة مرهون، كما أوضحت، بالتطورات التي ستحدث في سورية، ومن بينها سلاسة عملية الانتقال السياسي، ووضع دستور جديد. وعزز انفتاح الاتحاد الأوروبي على سورية الجديدة ما صرَّح به أيضاً جان بول بارو وزير الخارجية الفرنسي بخصوص رفع بعض العقوبات المفروضة، سعياً من الاتحاد للمساهمة في الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار فيها، وهو ما أكده أيضاً وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بخصوص وحدة سورية وضمان استقرارها. كما أبدى الاتحاد الأوروبي استعداده لإعادة افتتاح بعثته في دمشق، وبكامل طاقمها، وكما صرَّحت بذلك كالاس، وهو ما يدل على رغبة الاتحاد ودوله أيضاً بطي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة للتعاون والاستثمار وإعادة البناء، والاعتراف بمكانة سورية ودورها على خريطة الشرق الأوسط، ومن بين دول البحر الأبيض المتوسط التي يسعى الاتحاد الأوروبي لتمتين مختلف علاقاته معها. بدوره رحَّب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بمبادرة الاتحاد الأوروبي برفع بعض العقوبات، واعتبرها «خطوة إيجابية» من قِبل الاتحاد. ولا نبالغ إذا قلنا إن الكرة الآن في ملعب الإدارة الانتقالية الجديدة في سورية، وأن عليها أن تُبادر باتخاذ خطوات، وليس خطوة تبعاً لنهج «خطوة مقابل خطوة» الذي تحدثت عنه كالاس. ويمكن تفهُّم مخاوف الاتحاد الأوروبي ودوله بخصوص الأوضاع في هذا البلد العربي، تبعاً لتعدد مكوناته وتنوعها، فضلاً عن التركة الثقيلة والمخزية التي تركها النظام الأسدي، بتفضيل بعض الطوائف والمكونات على حساب أخرى، وتسخير موارد البلاد لخدمة العائلة الحاكمة وعائلات أخرى من حاشيته، وعلى حساب الغالبية العظمى من سكان سورية، التي أصبحت خلال السنوات العشر الأخيرة من بين الدول الأكثر فقراً وتخلفاً وتراجعاً في كل المجالات. بالتأكيد التركة التي ورثتها الإدارة الانتقالية ثقيلة ومتنوعة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، اقتصادياً، ومالياً، واجتماعياً، وثقافياً، وإنسانياً، وأن معالجة هذه التركة والتخفيف من آثارها المدمرة يحتاج إلى صبر ووقت وتكاتف وتعاضد بين أبناء سورية على اختلاف مكوناتهم ومشاربهم واتجاهاتهم السياسية والدينية والفكرية، لكن هذه التركة لا تعفي الإدارة الجديدة من السعي بكل جدية ونشاط لمعالجة الأمور المستعجلة والضرورية، وخاصة في مجالات الأمن والصحة والتعليم والقضاء ومتطلبات الحياة المعيشية، كالغذاء والدواء والمحروقات، مع ضرورة التركيز على أوضاع المرأة، وتعزيز دورها بالمشاركة في الحياة العامة، والمساهمة في بناء الوطن، إلى جانب دور الشباب في مسيرة هذا البناء، وترك المجال مفتوحاً للمجتمع المدني ليلعب دوره الضروري في هذه الأوقات الحاسمة من مستقبل الوطن، من دون أن ننسى الدور المهم والحيوي للسُّلطة الرابعة، المتمثلة في مختلف وسائل الإعلام، وما يمكن أن تقدمه وتسهم به، ليكون كل فرد من أفراد الشعب السوري على معرفة وبينة لما يجري حوله، وليتأكد أيضاً أن زمن كتم الأفواه والحرمان من المعرفة والاطلاع قد ولَّى. ولعلي وأنا أذكر المرأة وحقوقها ومكانتها، والشباب وطموحاته وتطلعاته، والمجتمع المدني وتفاعله ودوره المهم، وحُرية الإعلام المصانة والحيوية، أتكهن بالخطوات التي ينتظرها الاتحاد الأوروبي ليتابع خطواته برفع كامل العقوبات عن سورية الجديدة. * أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.